يوم/19/07/2013 خطبة : رمضان موعد للتغيير

يوم/19/07/2013 بسم الله الرحمن الرحيم رمضان موعد للتغيير
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره........
ثم أما بعد:فيا أيها الإخوة......
معاشر الصالحين: لقد فتح لكم ربكم أبواب رحمته، وجاد عليكم بأن مكنكم من إدراك شهر الصيام والقيام هيّأ لكم الأسباب وفتح الباب لمن أراد الاقتراب .. فاللهم لك الحمد على فضلك وإحسانك وكرمك ونوالك..
عباد الله: إنكم في أيام عظيمة وفي أزمنة كريمة تُضاعف فيها الأعمال وتُستجاب فيها الدعوات، وتُبارك فيها الحسنات، تُفتح فيها أبواب الجنان وتُغلق أبواب النيران وتضعُف دواعي الشر حيث تصفد الشياطين وتغل.
فالموفق السعيد من عرف لهذه الأيام قدرها فاستغل اللحظات وأكثر من الحسنات وشغل جوارحه فيما يرضي رب البريات، فغير عارف بربه ذاك الذي يأتي عليه رمضان فلا تتغير أحواله ولا تستقيم أموره، غير عارف بربه ذاك الذي لا يرى من رمضان إلا انقطاعًا عن الأكل والشرب ولا ينقطع عن فساده وعناده وغيبته وعدوانه.
معاشر الأحباب: يأتي رمضان هذا العام مختلفا عما سبق، يأتي بعد أن شهدت الأمة ولا تزال أحداثا عظيمة وتقلبات عجيبة وأمورا كانت إلى الأمس القريب أشبه بالخيال وكل هذه الأحداث التي حصلت والتي لا تزال تحصل لها عنوان واحد بارز] لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ].هذا المعنى هو الذي ينبغي أن يترسخ في قلوب المنتسبين إلى الإسلام ويتمكن من فكرهم ووجدانهم فالمؤمن الحق هو الذي يستفيد من الأحداث وتنعكس عليه إيجابا، فيرتقي بعد ذلة، ويعلم بعد جهل، ويهتدي بعد ضلالة..أما الذي لا يتفاعل مع الأحداث ولا يعتبر منها، ولا يفهم مضمون رسائلها، فهذا معطل الفهم رفيق الوهم قد انقطعت به الأسباب فلا هو من أصحاب البصائر ولا هو من أولي الألباب، يقول ربنا منكرا على أمثال هؤلاء[أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْمَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ]، تتغير الأحوال والأحداث من حولهم وهم لا يتغيرون ولا يحدثون توبة ولا تعرف لهم أوبة..
إن رمضان في حقيقته -أيها الأحباب- ثورة عظيمة، ثورة ضد الشهوات، ثورة ضد العادات، فهو فرصة سانحة لكل من أراد أن يذكر أو أراد شكورا لينال بذلك تغييرا ..
وهذا التغيير المطلوب بمقتضى ثورية رمضان هو الرجوع إلى الله و التوبة إليه وتلكم والله أعظم ثورة يحدثها العبد في حياته يوم أن يثور ضد نوازع الشر فيه، يوم أن يثور ضد وساوس الشيطان ونزغاته، يوم أن يتخلص من القيود المعوقة التي تعوق سيره إلى الله ..
فبادر قبل أن تُبَادر، وافعل ما تؤمر قبل أن تموت وتقبر، واستغل قبل أن تنتقل .
جاء رمضان بعد أحداث تأكد بأن الدنيا دار خداع، دار غرور لا تستقر على حال، أحداث تؤكد بأن عين الله لا تغفل أبدا وأن الله وإن أمهل فما أهمل [وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ] ، فكم ممن كان بالأمس القريب له شأن وأي شأن فأصبح بين عشية وضحى الذليل المهان فسبحان القائل: [يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ]إن من نعم الله عليك أيها العبد أن ترى مَثُلات الله ماثلة أمامك وما أجلها من موعظة حينما يجتمع المذكور في القرآن مع المنظور للعيان، عندما يتحد المتلو مع المجلو تكون العبارة أعمق والفائدة أصدق والتوبة أوفق.
إذاً في ظل هذه المتغيرات وهذا العالم الذي يتغير من حولك هل فكرت أن تتغير؟ هل فكرت أن تتوب؟ أما أرهقتك الذنوب .. أما آلمتك العيوب .. أما رفعت لافتة ضد نفسك مكتوب عليها كفى .. كفى إعراضا .. كفى صدودا .. كفى عنادا.. كفى جحودا] أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ........]، أما آن للابسي الفجور أن يعلموا أن تجارتهم ستبور، أما آن لقاصدي السحرة والكهان أن يتعلقوا بالعزيز الرحمن، أما آن للذين أضاعوا الصلوات وولوا وجوههم قبل القنوات أن يستغلوا الأعمار قبل الفوات، أما آن لأصحاب الغش والتدليس أن يتخلصوا من تلبيس إبليس ...أما آن لبائعي المخدرات و الخمور أن يتذكروا يوم البعث والنشور يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماء تمور، أما آن لعُبّاد المال من حرام وحلال أن يرجعوا إلى الكبير المتعال،أما آن لقاطعي أرحامهم والعاقين للآباء قبل أن تغشاهم اللأواء وينزل بهم البلاء . أما آن لمن يحمل لسانًا كالمقراض يقتحم به الأستار وينتهك الأعراض أن يكفّ عن الناس شره، ويريهم خيره وبره ...
اللسان.. اللسان عباد الله .. اللسان هو ترجمانك وهو العنوان على ذاتك، فإما أن يرضيك وإما أن يرديك، إما أن يعليك وإما أن يرميك، فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ..ألم يقل قدوة الناسكين وإمام المتقين سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم": من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"، من لم يدع قول الزور فقد أضاع سر صيامه وحرم الثواب .فطوبى لعبد فهم عن الله مراده ،وقام بحق مولاه متلذذًا مستمتعا بعبادة سيده وباريه. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ} بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة..........
الخطبة الثانية:
الحمد لله ............
معاشر الصالحين: إن مسألة التغيير في أنفسنا أيها الأحباب بالانتقال من ماضي العصيان والغفلة إلى واقع الطاعة والإذعان أمر ليس بالهين، أمر لا يتم إلا بألوان من المجاهدة، مجاهدة النفس حتى تستقيم على مراد ربها.
يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ":المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله" أي من جاهد نفسه وصبر على المرارة من أجل الله، وحمل نفسه على مخالفة مشتهياتها من أجل الله..إن صيامك عبد الله يؤهلك للخروج من أسر الهوى، يؤهلك للتحرر بالتقوى، يؤهلك للاستقامة على أمر الله، نعم صيامك يؤهلك للتحرر؛ لأن المتحرر الحق ، الذي تحرر من عبودية الشيطان والهوى والدنيا ووجّه وجهه لله، يقول ربنا سبحانه:[أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ] ، ذلكم في ظلمات بعضها فوق بعض والآخر على نور من ربه [هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ] هذا وصلوا وسلموا عباد الله على البشير....فقال:{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} ...اللهم أصلح أحوالنا واجعل بطاعتنا اشتغالنا، وإلى الخيرات مآلنا .

ألقيت بمسجد عقبة بن نافع بالمشرية سالم أبو ياسر التيميموني